فتح قبرص
"وفي سنة سبع وعشرين هجرية غزا معاوية قُبْرُص"وهى من أكبر جزائر البحر الأبيض المتوسط في أقصى شرقيه، وهي جزيرة جبلية بها سلسلتان من الجبال. يشتغل أهلها بالزراعة وأرضها خصبة جدًا، وكانت تابعة للإمبراطورية الرومانية. كان فتح قبرص على يد معاوية سنة 28 هـ غزاها في هذه السنة، وغزاها معه جماعة من الصحابة، فيهم أبو ذر وعبادة بن الصامت ، ومعه زوجته أم حرام وأبو الدرداء، وشداد بن أوس . واستعمل عليهم عبد اللَّه بن قيس الحارثي . وكان معاوية قد ألحَّ على عمر بن الخطاب في غزو البحر لقرب الروم من حمص. وقال: إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نُباح كلابهم وصياح دجاجهم. فكتب عمر إلى عمرو بن العاص: صف لي البحر وراكبه. فكتب إليه عمرو بن العاص:
"إني رأيت خلقًا كبيرًا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء. إن ركد خرق القلوب وإن تحرك أزاغ العقول. يزاد فيه اليقين قلة. والشك كثرة. وهم فيه كدود على عود إن مال غرق وإن اعتدل برق" .
فلما قرأ الكتاب عمر كتب إلى معاوية:
"والذي بعث محمدًا ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بالحق لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا، وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن اللَّه في كل يوم وليلة أن يغرق الأرض!! فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر باللَّه، لمسلم أحب إليَّ مما حوت الروم وإياك أن تعرض إليَّ فقد علمت ما لقي العلاء مني"
إن هذا الكتاب غريب فإنه يدل على أن العرب كانوا يخشون البحر، وقد حسبه عمر خطرًا يهدد الأرض بالغرق كل يوم وليلة واعتبره كافرًا. وعلى كل حال كان عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ يكره أن يجازف بالمسلمين في البحر.
فلما كان زمن عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر وألحَّ عليه في ذلك. وأخيرًا أجابه عثمان. ولكنه احتاط فلم يجعل التجنيد إجباريًا بل جعله اختياريًا حيث قال: "لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم. خيِّرهم، فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه". وبهذه نراه أجاب معاوية من جهة، ومن جهة أخرى لم يجازف بإرسال المسلمين، فجعل التجنيد اختياريًا حتى إذا ما هزموا لم يكن ملومًا، والظاهر أنه كان لا يزال متأثرًا برأي عمر من حيث تخوفه من البحر. فأول أسطول جهزه المسلمون كان لغزو قبرص سنة 28 هـ تحت قيادة عبد اللَّه بن قيس، وسار إليها عبد اللَّه بن سعد من مصر بسفن أقلعت من الإسكندرية فاجتمعوا عليها فصالحهم أهلها على جزية 7000 دينار كل سنة . يؤدون إلى الروم مثلها ولا منعة لهم على المسلمين ممن أرادهم من سواهم، وعلى أن يكونوا عونًا للمسلمين على عدوهم ويكون طريق الغزو للمسلمين عليهم. وعلى ذلك أخذت قبرص بسهولة فقد كانت الحامية المسيحية فيها ضعيفة. وقيل: إن عبد اللَّه بن قيس غزا في البحر خمسين غزوة بين شاتية وصائفة، ولم يغرق فيه أحد، ثم إنه قتل عندما كان مشتغلًا بكشف مرفأ في الروم، إذ خرج في قارب طليعة، فانتهى إلى المرفأ من أرض الروم، فعرفوه وقتلوه، ذلك في آخر زمان عبد اللَّه بن قيس الحارثي.
وفي هذه الغزوة ماتت أم حرم بيت ملحان الأنصارية زوجة عبادة بن الصامت. ألقتها بغلتها بجزيرة قبرص فاندقت عنقها فماتت تصديقًا للنبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ.
وقد كان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يكرمها ويزورها في بيتها ويقيل عندها، وأخبرها أنها شهيدة. ففي ذات يوم نام في بيتها فاستيقظ وهو يضحك وقال: (عُرض عليَّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة). فقالت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: (إنك منهم). ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقالت: يا رسول اللَّه ما يضحكك؟! قال: (عُرض عليَّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة). قالت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين" [رواه أحمد في (م 6/ص 361).]. فتزوجها عبادة بن الصامت فأخرجها معه، فلما جاز البحر ركبت دابة فصرعتها فقتلتها وقد دفنت رحمها اللَّه في قبرص.
وفي هذه السنة 28 هـ تزوج عثمان نائلة ابنة الفرافصة، وكانت نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 603]. وسيأتي لها ذكر عند مقتل عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ. وفيها بنى عثمان داره بالمدينة المسماة بالزوراء وفرغ منها
المراجع
[الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 123 [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488] [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 601، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 489]
"وفي سنة سبع وعشرين هجرية غزا معاوية قُبْرُص"وهى من أكبر جزائر البحر الأبيض المتوسط في أقصى شرقيه، وهي جزيرة جبلية بها سلسلتان من الجبال. يشتغل أهلها بالزراعة وأرضها خصبة جدًا، وكانت تابعة للإمبراطورية الرومانية. كان فتح قبرص على يد معاوية سنة 28 هـ غزاها في هذه السنة، وغزاها معه جماعة من الصحابة، فيهم أبو ذر وعبادة بن الصامت ، ومعه زوجته أم حرام وأبو الدرداء، وشداد بن أوس . واستعمل عليهم عبد اللَّه بن قيس الحارثي . وكان معاوية قد ألحَّ على عمر بن الخطاب في غزو البحر لقرب الروم من حمص. وقال: إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نُباح كلابهم وصياح دجاجهم. فكتب عمر إلى عمرو بن العاص: صف لي البحر وراكبه. فكتب إليه عمرو بن العاص:
"إني رأيت خلقًا كبيرًا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء. إن ركد خرق القلوب وإن تحرك أزاغ العقول. يزاد فيه اليقين قلة. والشك كثرة. وهم فيه كدود على عود إن مال غرق وإن اعتدل برق" .
فلما قرأ الكتاب عمر كتب إلى معاوية:
"والذي بعث محمدًا ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بالحق لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا، وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن اللَّه في كل يوم وليلة أن يغرق الأرض!! فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر باللَّه، لمسلم أحب إليَّ مما حوت الروم وإياك أن تعرض إليَّ فقد علمت ما لقي العلاء مني"
إن هذا الكتاب غريب فإنه يدل على أن العرب كانوا يخشون البحر، وقد حسبه عمر خطرًا يهدد الأرض بالغرق كل يوم وليلة واعتبره كافرًا. وعلى كل حال كان عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ يكره أن يجازف بالمسلمين في البحر.
فلما كان زمن عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر وألحَّ عليه في ذلك. وأخيرًا أجابه عثمان. ولكنه احتاط فلم يجعل التجنيد إجباريًا بل جعله اختياريًا حيث قال: "لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم. خيِّرهم، فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه". وبهذه نراه أجاب معاوية من جهة، ومن جهة أخرى لم يجازف بإرسال المسلمين، فجعل التجنيد اختياريًا حتى إذا ما هزموا لم يكن ملومًا، والظاهر أنه كان لا يزال متأثرًا برأي عمر من حيث تخوفه من البحر. فأول أسطول جهزه المسلمون كان لغزو قبرص سنة 28 هـ تحت قيادة عبد اللَّه بن قيس، وسار إليها عبد اللَّه بن سعد من مصر بسفن أقلعت من الإسكندرية فاجتمعوا عليها فصالحهم أهلها على جزية 7000 دينار كل سنة . يؤدون إلى الروم مثلها ولا منعة لهم على المسلمين ممن أرادهم من سواهم، وعلى أن يكونوا عونًا للمسلمين على عدوهم ويكون طريق الغزو للمسلمين عليهم. وعلى ذلك أخذت قبرص بسهولة فقد كانت الحامية المسيحية فيها ضعيفة. وقيل: إن عبد اللَّه بن قيس غزا في البحر خمسين غزوة بين شاتية وصائفة، ولم يغرق فيه أحد، ثم إنه قتل عندما كان مشتغلًا بكشف مرفأ في الروم، إذ خرج في قارب طليعة، فانتهى إلى المرفأ من أرض الروم، فعرفوه وقتلوه، ذلك في آخر زمان عبد اللَّه بن قيس الحارثي.
وفي هذه الغزوة ماتت أم حرم بيت ملحان الأنصارية زوجة عبادة بن الصامت. ألقتها بغلتها بجزيرة قبرص فاندقت عنقها فماتت تصديقًا للنبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ.
وقد كان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يكرمها ويزورها في بيتها ويقيل عندها، وأخبرها أنها شهيدة. ففي ذات يوم نام في بيتها فاستيقظ وهو يضحك وقال: (عُرض عليَّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة). فقالت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: (إنك منهم). ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقالت: يا رسول اللَّه ما يضحكك؟! قال: (عُرض عليَّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة). قالت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين" [رواه أحمد في (م 6/ص 361).]. فتزوجها عبادة بن الصامت فأخرجها معه، فلما جاز البحر ركبت دابة فصرعتها فقتلتها وقد دفنت رحمها اللَّه في قبرص.
وفي هذه السنة 28 هـ تزوج عثمان نائلة ابنة الفرافصة، وكانت نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 603]. وسيأتي لها ذكر عند مقتل عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ. وفيها بنى عثمان داره بالمدينة المسماة بالزوراء وفرغ منها
المراجع
[الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 123 [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488] [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 601، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 489]