إرسال مندوبين إلى الأمصار لاستطلاع الأخبار
أتى الناس عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ فقال: ما جاءني إلا السلامة، وأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالًا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد اللَّه بن عمر إلى الشام، وفرق رجالًا سواهم، فرجعوا جميعًا قبل عمار. فقالوا: ما أنكرنا شيئًا أيها الناس، ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم.
تأخر عمار حتى ظنوا أنه قد اغتيل فوصل كتاب من عبد اللَّه بن أبي سرح يذكر أن عمارًا قد استماله قومه، وانقطعوا إليه منهم عبد اللَّه ابن السوداء وخالد بن مُلجم وسودان بن حُمران وكنانة بن بشر فثبطوا عمارًا عن المسير إلى المدينة.
فكتب عثمان إلى أهل الأمصار: "إني آخذ العمال بموافاتي كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته، وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا وهو متروك لهم، وقد رفع إليَّ أهل المدينة أن أقوامًا يُشتمون ويضربون، فمن ادعى شيئًا من ذلك فليواف الموسم يأخذ حقه حيث كان مني أو عمالي. أو تصدقوا فإن اللَّه يجزي المتصدقين".
فلما قرئ هذا الكتاب في الأمصار بكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتتمخض بشر.
عثمان يستشير عمال الأمصار
لم يطمئن عثمان إلى الأخبار التي تلقاها ممن بعثهم فأرسل إلى عمال الأمصار فقدموا في الموسم وهم:
ـ1ـ عبد اللَّه بن عامر.
ـ2ـ وعبد اللَّه بن سعد.
ـ3ـ ومعاوية. وأدخل معهم في المشورة سعيد بن العاص وعمرو بن العاص. فلما اجتمعوا عنده قال: "ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الإذاعة؟ إني واللَّه لخائف أن تكونوا مصدوقًا عليكم وما يُعصب هذا إلا بي".
فقالوا له: ألم تبعث؟ ألم يرجع إليك الخبر عن القوم؟ ألم يرجع رسلك ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا واللَّه ما صدقوا ولا بروا. ولا نعم لهذا الأمر أصلًا وما كنت لتأخذ به أحدًا فيقيمك على شيء. وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها.
قال: فأشيروا عليَّ. فقال سعيد بن العاص: "هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم".
قال: فما دواء ذلك؟. قال: طلب هؤلاء القوم، ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبد اللَّه بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم. فإنه خير من أن تدعهم.
وقال معاوية: قد وليتني فوليت قومًا لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتهما. قال: فما الرأي؟. قال: حسن الأدب.
قال: فما ترى يا عمرو؟. قال: أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم، وزدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة، وتلين في موضع اللين، إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرًا، واللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعًا. فقام عثمان فحمد اللَّه وأثنى عليه
وقال: "كل ما أشرتم به عليَّ قد سمعت. ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إلا في حدود اللَّه تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها، فإن سدَّه شيء فرفق، فذاك ليفتحن، وليست لأحد عليَّ حجة حق، وقد علم اللَّه أني لم آل الناس خيرًا ولا نفسي، وواللَّه إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها، كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم، وإذا تعوطِيتْ حقوق اللَّه، فلا تدهنوا فيها".
وهذا لم يبلغنا ماذا فعل عثمان في أمر عمار الذي أرسل إلى مصر ولم يعد. وكتب بشأنه [ص 149] عبد اللَّه بن أبي سرح أن قومًا استمالوه وانقطعوا إليه، وذكرهم بالاسم. إن في عدم عودة عمار وانقطاعه إلى من استمالوه دليلًا على اشتداد الفتنة في مصر، وكان الواجب يقضي استدعاء عمار بأي وسيلة، وسؤاله عن الحالة في مصر وماذا قالوا له؟ ولماذا لم يعد كغيره؟ إلى غير ذلك، فإذا ثبت أن هناك مؤامرة ودسيسة، وعرف من هم رؤساء الفتنة حقق معهم، وعندئذ يُجازي كل بما يستحق. أما تركهم ينقلون أحاديث السوء ويذيعون الفتنة، ويحرضون على الجهاد، ويبيحون دم الخليفة فذلك مما يزيد الفتنة.
ثم إن عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ كان أعطى عبد اللَّه بن خالد بن أسيد خمسين ألفًا، وأعطى مروان خمسة عشر ألفًا فردَّ ذلك منهما منعًا للقيل والقال.
معاوية يدعو عثمان إلى الشام
كان معاوية قد قال لعثمان غداة ودَّعه وخرج "يا أمير المؤمنين انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قِبَل لك به. فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا".
فقال: "لا أبيع جوار رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بشيء، وإن كان فيه قطع خيط عنقي".
فقال معاوية: "فأبعث إليك جندًا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة، أو إياك".
قال: "لا أضيق على جيران رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ".
فقال: "واللَّه لَتُغْتَلنَّ أو لَتُغْزَيَنّ" "قال: "حسبي اللَّه ونعم الوكيل".
أتى الناس عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ فقال: ما جاءني إلا السلامة، وأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالًا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد اللَّه بن عمر إلى الشام، وفرق رجالًا سواهم، فرجعوا جميعًا قبل عمار. فقالوا: ما أنكرنا شيئًا أيها الناس، ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم.
تأخر عمار حتى ظنوا أنه قد اغتيل فوصل كتاب من عبد اللَّه بن أبي سرح يذكر أن عمارًا قد استماله قومه، وانقطعوا إليه منهم عبد اللَّه ابن السوداء وخالد بن مُلجم وسودان بن حُمران وكنانة بن بشر فثبطوا عمارًا عن المسير إلى المدينة.
فكتب عثمان إلى أهل الأمصار: "إني آخذ العمال بموافاتي كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته، وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا وهو متروك لهم، وقد رفع إليَّ أهل المدينة أن أقوامًا يُشتمون ويضربون، فمن ادعى شيئًا من ذلك فليواف الموسم يأخذ حقه حيث كان مني أو عمالي. أو تصدقوا فإن اللَّه يجزي المتصدقين".
فلما قرئ هذا الكتاب في الأمصار بكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتتمخض بشر.
عثمان يستشير عمال الأمصار
لم يطمئن عثمان إلى الأخبار التي تلقاها ممن بعثهم فأرسل إلى عمال الأمصار فقدموا في الموسم وهم:
ـ1ـ عبد اللَّه بن عامر.
ـ2ـ وعبد اللَّه بن سعد.
ـ3ـ ومعاوية. وأدخل معهم في المشورة سعيد بن العاص وعمرو بن العاص. فلما اجتمعوا عنده قال: "ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الإذاعة؟ إني واللَّه لخائف أن تكونوا مصدوقًا عليكم وما يُعصب هذا إلا بي".
فقالوا له: ألم تبعث؟ ألم يرجع إليك الخبر عن القوم؟ ألم يرجع رسلك ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا واللَّه ما صدقوا ولا بروا. ولا نعم لهذا الأمر أصلًا وما كنت لتأخذ به أحدًا فيقيمك على شيء. وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها.
قال: فأشيروا عليَّ. فقال سعيد بن العاص: "هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم".
قال: فما دواء ذلك؟. قال: طلب هؤلاء القوم، ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبد اللَّه بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم. فإنه خير من أن تدعهم.
وقال معاوية: قد وليتني فوليت قومًا لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتهما. قال: فما الرأي؟. قال: حسن الأدب.
قال: فما ترى يا عمرو؟. قال: أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم، وزدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة، وتلين في موضع اللين، إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرًا، واللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعًا. فقام عثمان فحمد اللَّه وأثنى عليه
وقال: "كل ما أشرتم به عليَّ قد سمعت. ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إلا في حدود اللَّه تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها، فإن سدَّه شيء فرفق، فذاك ليفتحن، وليست لأحد عليَّ حجة حق، وقد علم اللَّه أني لم آل الناس خيرًا ولا نفسي، وواللَّه إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها، كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم، وإذا تعوطِيتْ حقوق اللَّه، فلا تدهنوا فيها".
وهذا لم يبلغنا ماذا فعل عثمان في أمر عمار الذي أرسل إلى مصر ولم يعد. وكتب بشأنه [ص 149] عبد اللَّه بن أبي سرح أن قومًا استمالوه وانقطعوا إليه، وذكرهم بالاسم. إن في عدم عودة عمار وانقطاعه إلى من استمالوه دليلًا على اشتداد الفتنة في مصر، وكان الواجب يقضي استدعاء عمار بأي وسيلة، وسؤاله عن الحالة في مصر وماذا قالوا له؟ ولماذا لم يعد كغيره؟ إلى غير ذلك، فإذا ثبت أن هناك مؤامرة ودسيسة، وعرف من هم رؤساء الفتنة حقق معهم، وعندئذ يُجازي كل بما يستحق. أما تركهم ينقلون أحاديث السوء ويذيعون الفتنة، ويحرضون على الجهاد، ويبيحون دم الخليفة فذلك مما يزيد الفتنة.
ثم إن عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ كان أعطى عبد اللَّه بن خالد بن أسيد خمسين ألفًا، وأعطى مروان خمسة عشر ألفًا فردَّ ذلك منهما منعًا للقيل والقال.
معاوية يدعو عثمان إلى الشام
كان معاوية قد قال لعثمان غداة ودَّعه وخرج "يا أمير المؤمنين انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قِبَل لك به. فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا".
فقال: "لا أبيع جوار رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بشيء، وإن كان فيه قطع خيط عنقي".
فقال معاوية: "فأبعث إليك جندًا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة، أو إياك".
قال: "لا أضيق على جيران رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ".
فقال: "واللَّه لَتُغْتَلنَّ أو لَتُغْزَيَنّ" "قال: "حسبي اللَّه ونعم الوكيل".