غزوة طبرستان
نبذة عن تاريخها وتسميتها:
تعرف طبرستان باسم مازندران أيضًا، وهي ولاية من ولايات إيران قديمًا، وموقعها إلى الجنوب الشرقي من بحر طبرستان، وهو بحر الخزر أو بحر قزوين، يحدها من الغرب كيلان، أو الجيلان، ومن الجنوب العراق العجمي وخراسان البُرز. ومن الشرق خراسان أيضًا، ومن نواحيها أستراباذ، وهي إلى الشرق، وقاعدتها دُنباوند أو ديماقند.
وجاء في كتب العرب أن معنى طبرستان موضع الأطبار فهي مؤلفة من لفظتين "طبر"، وهي تعريب تبر الفارسية اسم لنوع من الفؤوس، وإستان معناها الموضع، أو الناحية. سميت بذلك لكثرة ما فيها من الأطبار [الأطبار: الفؤوس. [القاموس المحيط، مادة: طَبَرَ].
قال القزويني في استعمارها وتسميتها: إن بعض الأكاسرة اجتمع في جيشه جناة كثيرون، فقال وزيره: نأمر بهم إلى بعض البلاد ليعمروها، فإن عمروها كان العمران لك، وإن تلفوا برئت من دمهم، واختار أرض طبرستان، وهي يومئذٍ جبال وأشجار، فأرادوا قطع الأشجار، وطلبوا فؤوسًا، والفأس بالعجمية "تبر" فكثرت بها الفؤوس، فقالوا: "طبرستان."
ويؤيد ذلك ياقوت في كلامه عن أهلها ـ إن أهل تلك الجبال كثيرو الحروب، وأكثر أسلحتهم بل كلها الأطبار، حتى إنك قلَّ أن ترى صعلوكًا، أو غنيًا، إلا وبيده الطبر، صغيرهم وكبيرهم.
غزوها
وللعرب في طبرستان وقائع مشهورة، فاستولوا عليها، وكانت جزءًا من مملكتهم. وأول من قصدها سويد بن مقرن، أرسله أخوه نعيم بأمر عمر، فسار سويد نحو قومس فأخذها سلمًا، ثم دخل جرجان، وقيل: صالحه الأصبهند ـ صاحب طبرستان.
ثم غزاها سعيد بن العاص. خرج عبد اللَّه بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيدًا، ونزل أبرشهر، وبلغ نزول أبرشهر سعيدًا، فنزل سعيد قومس [قومس: كورة كبيرة واسعة بها مدن وقرى ومزارع في ذيل جبل طبرستان] وهي صلح، صالحهم حذيفة بعد نهاوند فأتى جرجان، فصالحوه على 2000.000 ثم أتى طَمِية . وهي كلها من طبرستان متاخمة جرجان. وهي مدينة على ساحل البحر، وهي في تخوم جرجان، فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف. فقال لحذيفة: كيف صلى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ؟ فأخبره. فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون. وضرب يومئذٍ سعيد رجلًا من المشركين على حبل عاتقه فخرج السيف من تحت مرفقه، وحاصرهم فسألوا الأمان فأعطاهم، على أن لا يقتل منهم رجلًا واحدًا. ففتحوا الحصن فقتلهم جميعًا إلا رجلًا واحدًا وحوى ما كان في الحصن. وفتح سعيد بن العاص نامية، وهي ليست بمدينة بل صحارى، ثم قفل إلى الكوفة فمدحه كعب بن جعيْل فقال:
فنعم الفتى إذ جال جيلانُ دونه *** وإذ هبطوا من دَستبى ثم أبهرا
تعلم سعيد الخير أن مطيتي *** إذا هبطت أشفقتُ من أن تعَقَّرا
كأنك يوم الشعب ليثُ خفية *** تحرَّد من ليث العرين وأصحرا
تسوس الذي ما ساس قبلك واحد *** ثمانين ألفًا دارعين وحسَّرا
ولما صالح سعيد أهل جرجان كانوا يجبون أحيانًا مائة ألف، وأحيانًا مائتي ألف، وأحيانًا ثلاثمائة ألف، وكانوا ربما أعطوا ذلك وربما منعوه، ثم امتنعوا وكفروا.
سقوط خاتم رسول اللَّه
(سنة 30 هـ/ 651 م):
لما أراد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أن يكتب إلى الأعاجم كتبًا يدعوهم إلى اللَّه عز وجل وقال له رجل: يا رسول اللَّه إنهم لا يقبلون كتابًا إلا مختومًا. فأمر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أن يعمل له خاتم من فضة، فجعله في إصبعه، وكان نقشه ثلاثة أسطر "محمد" سطر، و "رسول" سطر، و "اللَّه" سطر. والأسطر الثلاثة تقرأ من أسفل إلى فوق، محمد آخر الأسطر، ورسول في الوسط، واللَّه فوق، وكانت الكتابة مقلوبة لتكون على الاستواء إذا ختم به، فكان ذلك الخاتم في يده ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، ولما استخلف أبو بكر ختم به. ثم ولي عمر بن الخطاب فجعل يتختم به، ثم ولي من بعده عثمان فتختم به ست سنين فحفر بئرًا بالمدينة شربًا للمسلمين ،وهي على ميلين من المدينة، وكانت قليلة الماء، فجاء عثمان ذات يوم فقعد على رأس البئر فجعل يعبث بالخاتم، فسقط من يده في البئر فطلبوه فيها، ونزحوا ما فيها من الماء، فلم يعثروا عليه، فجعل فيه مالًا عظيمًا لمن جاء به، واغتم لذلك غمًا شديدًا، فلما بئس منه صنع خاتمًا آخر على مثاله ونقشه، فبقي في إصبعه حتى قتل، ثم ضاع هذا الخاتم ولم يُعلم من أخذه. وقد تشاءم المسلمون لضياع خاتم رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ،
Bookmark and Share
نبذة عن تاريخها وتسميتها:
تعرف طبرستان باسم مازندران أيضًا، وهي ولاية من ولايات إيران قديمًا، وموقعها إلى الجنوب الشرقي من بحر طبرستان، وهو بحر الخزر أو بحر قزوين، يحدها من الغرب كيلان، أو الجيلان، ومن الجنوب العراق العجمي وخراسان البُرز. ومن الشرق خراسان أيضًا، ومن نواحيها أستراباذ، وهي إلى الشرق، وقاعدتها دُنباوند أو ديماقند.
وجاء في كتب العرب أن معنى طبرستان موضع الأطبار فهي مؤلفة من لفظتين "طبر"، وهي تعريب تبر الفارسية اسم لنوع من الفؤوس، وإستان معناها الموضع، أو الناحية. سميت بذلك لكثرة ما فيها من الأطبار [الأطبار: الفؤوس. [القاموس المحيط، مادة: طَبَرَ].
قال القزويني في استعمارها وتسميتها: إن بعض الأكاسرة اجتمع في جيشه جناة كثيرون، فقال وزيره: نأمر بهم إلى بعض البلاد ليعمروها، فإن عمروها كان العمران لك، وإن تلفوا برئت من دمهم، واختار أرض طبرستان، وهي يومئذٍ جبال وأشجار، فأرادوا قطع الأشجار، وطلبوا فؤوسًا، والفأس بالعجمية "تبر" فكثرت بها الفؤوس، فقالوا: "طبرستان."
ويؤيد ذلك ياقوت في كلامه عن أهلها ـ إن أهل تلك الجبال كثيرو الحروب، وأكثر أسلحتهم بل كلها الأطبار، حتى إنك قلَّ أن ترى صعلوكًا، أو غنيًا، إلا وبيده الطبر، صغيرهم وكبيرهم.
غزوها
وللعرب في طبرستان وقائع مشهورة، فاستولوا عليها، وكانت جزءًا من مملكتهم. وأول من قصدها سويد بن مقرن، أرسله أخوه نعيم بأمر عمر، فسار سويد نحو قومس فأخذها سلمًا، ثم دخل جرجان، وقيل: صالحه الأصبهند ـ صاحب طبرستان.
ثم غزاها سعيد بن العاص. خرج عبد اللَّه بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيدًا، ونزل أبرشهر، وبلغ نزول أبرشهر سعيدًا، فنزل سعيد قومس [قومس: كورة كبيرة واسعة بها مدن وقرى ومزارع في ذيل جبل طبرستان] وهي صلح، صالحهم حذيفة بعد نهاوند فأتى جرجان، فصالحوه على 2000.000 ثم أتى طَمِية . وهي كلها من طبرستان متاخمة جرجان. وهي مدينة على ساحل البحر، وهي في تخوم جرجان، فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف. فقال لحذيفة: كيف صلى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ؟ فأخبره. فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون. وضرب يومئذٍ سعيد رجلًا من المشركين على حبل عاتقه فخرج السيف من تحت مرفقه، وحاصرهم فسألوا الأمان فأعطاهم، على أن لا يقتل منهم رجلًا واحدًا. ففتحوا الحصن فقتلهم جميعًا إلا رجلًا واحدًا وحوى ما كان في الحصن. وفتح سعيد بن العاص نامية، وهي ليست بمدينة بل صحارى، ثم قفل إلى الكوفة فمدحه كعب بن جعيْل فقال:
فنعم الفتى إذ جال جيلانُ دونه *** وإذ هبطوا من دَستبى ثم أبهرا
تعلم سعيد الخير أن مطيتي *** إذا هبطت أشفقتُ من أن تعَقَّرا
كأنك يوم الشعب ليثُ خفية *** تحرَّد من ليث العرين وأصحرا
تسوس الذي ما ساس قبلك واحد *** ثمانين ألفًا دارعين وحسَّرا
ولما صالح سعيد أهل جرجان كانوا يجبون أحيانًا مائة ألف، وأحيانًا مائتي ألف، وأحيانًا ثلاثمائة ألف، وكانوا ربما أعطوا ذلك وربما منعوه، ثم امتنعوا وكفروا.
سقوط خاتم رسول اللَّه
(سنة 30 هـ/ 651 م):
لما أراد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أن يكتب إلى الأعاجم كتبًا يدعوهم إلى اللَّه عز وجل وقال له رجل: يا رسول اللَّه إنهم لا يقبلون كتابًا إلا مختومًا. فأمر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أن يعمل له خاتم من فضة، فجعله في إصبعه، وكان نقشه ثلاثة أسطر "محمد" سطر، و "رسول" سطر، و "اللَّه" سطر. والأسطر الثلاثة تقرأ من أسفل إلى فوق، محمد آخر الأسطر، ورسول في الوسط، واللَّه فوق، وكانت الكتابة مقلوبة لتكون على الاستواء إذا ختم به، فكان ذلك الخاتم في يده ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، ولما استخلف أبو بكر ختم به. ثم ولي عمر بن الخطاب فجعل يتختم به، ثم ولي من بعده عثمان فتختم به ست سنين فحفر بئرًا بالمدينة شربًا للمسلمين ،وهي على ميلين من المدينة، وكانت قليلة الماء، فجاء عثمان ذات يوم فقعد على رأس البئر فجعل يعبث بالخاتم، فسقط من يده في البئر فطلبوه فيها، ونزحوا ما فيها من الماء، فلم يعثروا عليه، فجعل فيه مالًا عظيمًا لمن جاء به، واغتم لذلك غمًا شديدًا، فلما بئس منه صنع خاتمًا آخر على مثاله ونقشه، فبقي في إصبعه حتى قتل، ثم ضاع هذا الخاتم ولم يُعلم من أخذه. وقد تشاءم المسلمون لضياع خاتم رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ،
Bookmark and Share