عثمان يرد على منتقديه
أرسل عثمان إلى الكوفيين والبصريين الذين وفدوا المدينة بدعوى أنهم يريدون أن يسألوا عثمان عن أشياء، ثم يرجعون ويزعمون أنهم قرروه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم يخرجون كأنهم حجاج، وعندئذٍ يحيطون به ويخلعونه، فإن أبى قتلوه. فلما بلغ عثمان عزمهم هذا ضحك وقال: اللَّهم سلِّم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شقوا. ونادى: الصلاة جامعة وهم عندهم في أصل المنبر فأقبل أصحاب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ حتى أحاطوا به فحمد اللَّه وأثنى عليه فقالوا جميعًا: اقتلهم فإن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ
قال: "من دعا إلى نفسه، أو إلى أحد وعلى الناس إمام، فعليه لعنة اللَّه فاقتلوه" وقال عمر بن الخطاب ـ رضي اللَّه عنه ـ: لا أحِل لكم إلا ما قتلتموه وأنا شريككم، فقال عثمان: بل نعفو ونقبل ونبصرهم بجهدنا، ولا نحاد أحدًا حتى يركب حدًا أو يُبدي كفرًا. إن هؤلاء ذكروا أمورًا قد علموا منها مثل الذي علمتم إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها عليَّ عند من لا يعلم، وقالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تُتم. إلا وإني قدمت بلدًا فيه أهلي فأتممت لهذين الأمرين. أو كذلك؟ قالوا: اللَّهم نعم. وقالوا: وحميتَ حِمىً، وإني واللَّه ما حميتُ حِمى حُمى، قبلي، واللَّه ما حموا شيئًا لأحد، ما حموا إلا ما غلب عليه أهل المدينة، ثم لم يمنعوا من رعيه أحدًا، واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، ثم ما منعوا ولا نحَّوا منها أحدًا إلا من ساق درهمًا. وما لي من بعير غير راحلتي. وما لي ثاغية ولا راغية [ما لي ثاغية ولا راغية: ما لي شاة ولا بعير.]، وإني قد وُليت وإني أكثر العرب بعيرًا وشاة فما لي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي. أكذلك؟ قالوا: اللَّهم نعم.
وقالوا: كان القرآن كتبًا فتركتها إلا واحدًا. ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد. وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء، أكذلك؟ قالوا: نعم. وسألوه أن يقتلهم. وقالوا: إني رددت الحكم [الحكم المذكور هنا هو الحكم بن أبي العاص بن أمية عمُّ عثمان، أسلم يوم الفتح، وهو طريد رسول اللَّه، نفاه من المدينة إلى الطائف وخرج معه ابنه مروان. قيل: نفاه رسول اللَّه لأنه كان يتسمع سر رسول اللَّه ويطلع عليه في بابه، وكان يحكي رسول اللَّه في مشيته وبعض حركاته. ومرَّ الحكم يومًا فقال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: "ويل لأمتي مما في صلب هذا".] وقد سيَّره رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، والحكم مكي سيَّره رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من مكة إلى الطائف، ثم ردَّه رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ. فرسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ سيَّره، ورسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ردَّه، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: استعملت الأحداث، ولم أستعمل إلا مجتمِعًا محتمِلًا مرضيًَّا. وهؤلاء أهل عَمَلهم فسلوهم عنه وهؤلاء أهل بلده. ولَقَد ولَّى من قبلي أحدثَ منهم وقيل في ذلك لرسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذلك؟ قالوا: اللَّهم نعم. يعيبون للناس ما لا يفسرون. وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء اللَّه عليه، وإني إنما نفلته الخُمس ما أفاء اللَّه عليه من الخُمس، فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر ـ رضي اللَّه عنه ـما، فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذاك لهم. أكذلك؟ قالوا: نعم
وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم. فأما حبي فإنه لم يمِل معهم على جَوْر. بل أحمل الحقوق عليهم. وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي، ولا لأحد من الناس، ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر ـ رضي اللَّه عنه ـما، وأنا يومئذٍ شحيح حريص، أفحين أتيتُ على أسنان أهل بيتي وفَنِي عمري وودعتُ الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا! وإني واللَّه ما حملت على مصر من الأمصار فضلًا فيجوز ذلك لمن قاله. ولقد رددته عليهم وما قدم عليَّ إلا الأخماس ولا يحل لي منها شيء فولَّى المسلمون وضعها في أهلها دوني ولا يُتلفت من مال اللَّه بفلس فما فوقه، وما أتبلغُ منه ما آكل إلا من مالي.
وقالوا: أعطيتَ الأرض رجالًا. وإن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتُتحت، فمن أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أُسوُة أهله، ومن رجع إلى أهله لم يُذهب ذلك ما حوى اللَّه له. فنظرتُ في الذي يُصيبهم مما أفاء اللَّه عليهم فبعتُه لهم بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب، فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني".
ثم تركهم عثمان، فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم.
أرسل عثمان إلى الكوفيين والبصريين الذين وفدوا المدينة بدعوى أنهم يريدون أن يسألوا عثمان عن أشياء، ثم يرجعون ويزعمون أنهم قرروه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم يخرجون كأنهم حجاج، وعندئذٍ يحيطون به ويخلعونه، فإن أبى قتلوه. فلما بلغ عثمان عزمهم هذا ضحك وقال: اللَّهم سلِّم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شقوا. ونادى: الصلاة جامعة وهم عندهم في أصل المنبر فأقبل أصحاب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ حتى أحاطوا به فحمد اللَّه وأثنى عليه فقالوا جميعًا: اقتلهم فإن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ
قال: "من دعا إلى نفسه، أو إلى أحد وعلى الناس إمام، فعليه لعنة اللَّه فاقتلوه" وقال عمر بن الخطاب ـ رضي اللَّه عنه ـ: لا أحِل لكم إلا ما قتلتموه وأنا شريككم، فقال عثمان: بل نعفو ونقبل ونبصرهم بجهدنا، ولا نحاد أحدًا حتى يركب حدًا أو يُبدي كفرًا. إن هؤلاء ذكروا أمورًا قد علموا منها مثل الذي علمتم إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها عليَّ عند من لا يعلم، وقالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تُتم. إلا وإني قدمت بلدًا فيه أهلي فأتممت لهذين الأمرين. أو كذلك؟ قالوا: اللَّهم نعم. وقالوا: وحميتَ حِمىً، وإني واللَّه ما حميتُ حِمى حُمى، قبلي، واللَّه ما حموا شيئًا لأحد، ما حموا إلا ما غلب عليه أهل المدينة، ثم لم يمنعوا من رعيه أحدًا، واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، ثم ما منعوا ولا نحَّوا منها أحدًا إلا من ساق درهمًا. وما لي من بعير غير راحلتي. وما لي ثاغية ولا راغية [ما لي ثاغية ولا راغية: ما لي شاة ولا بعير.]، وإني قد وُليت وإني أكثر العرب بعيرًا وشاة فما لي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي. أكذلك؟ قالوا: اللَّهم نعم.
وقالوا: كان القرآن كتبًا فتركتها إلا واحدًا. ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد. وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء، أكذلك؟ قالوا: نعم. وسألوه أن يقتلهم. وقالوا: إني رددت الحكم [الحكم المذكور هنا هو الحكم بن أبي العاص بن أمية عمُّ عثمان، أسلم يوم الفتح، وهو طريد رسول اللَّه، نفاه من المدينة إلى الطائف وخرج معه ابنه مروان. قيل: نفاه رسول اللَّه لأنه كان يتسمع سر رسول اللَّه ويطلع عليه في بابه، وكان يحكي رسول اللَّه في مشيته وبعض حركاته. ومرَّ الحكم يومًا فقال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: "ويل لأمتي مما في صلب هذا".] وقد سيَّره رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، والحكم مكي سيَّره رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من مكة إلى الطائف، ثم ردَّه رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ. فرسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ سيَّره، ورسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ردَّه، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: استعملت الأحداث، ولم أستعمل إلا مجتمِعًا محتمِلًا مرضيًَّا. وهؤلاء أهل عَمَلهم فسلوهم عنه وهؤلاء أهل بلده. ولَقَد ولَّى من قبلي أحدثَ منهم وقيل في ذلك لرسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذلك؟ قالوا: اللَّهم نعم. يعيبون للناس ما لا يفسرون. وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء اللَّه عليه، وإني إنما نفلته الخُمس ما أفاء اللَّه عليه من الخُمس، فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر ـ رضي اللَّه عنه ـما، فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذاك لهم. أكذلك؟ قالوا: نعم
وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم. فأما حبي فإنه لم يمِل معهم على جَوْر. بل أحمل الحقوق عليهم. وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي، ولا لأحد من الناس، ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر ـ رضي اللَّه عنه ـما، وأنا يومئذٍ شحيح حريص، أفحين أتيتُ على أسنان أهل بيتي وفَنِي عمري وودعتُ الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا! وإني واللَّه ما حملت على مصر من الأمصار فضلًا فيجوز ذلك لمن قاله. ولقد رددته عليهم وما قدم عليَّ إلا الأخماس ولا يحل لي منها شيء فولَّى المسلمون وضعها في أهلها دوني ولا يُتلفت من مال اللَّه بفلس فما فوقه، وما أتبلغُ منه ما آكل إلا من مالي.
وقالوا: أعطيتَ الأرض رجالًا. وإن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتُتحت، فمن أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أُسوُة أهله، ومن رجع إلى أهله لم يُذهب ذلك ما حوى اللَّه له. فنظرتُ في الذي يُصيبهم مما أفاء اللَّه عليهم فبعتُه لهم بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب، فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني".
ثم تركهم عثمان، فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم.