عزل سعد بن أبى وقاص عن الكوفة وتولية الوليد بن عقبة
لم تطل ولاية سعد على الكوفة فعزله عثمان وولى بعده الوليد بن عقبة والسبب في عزل سعد هو أنه استقرض من عبد اللَّه بن مسعود من بيت المال مالًا فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر عليه فارتفع بينهما الكلام حتى استعان عبد اللَّه بأناس على استخراج المال، واستعان سعد بأناس على استنظاره فاقتربوا وبعضهم يلوم بعضًا. يلوم هؤلاء سعدًا ويلوم هؤلاء عبد اللَّه.
عن قيس بن أبي حازم قال: كنت جالسًا عند سعد وعنده ابن أخيه هاشم بن عتبة فأتى ابن مسعود سعدًا فقال له: أدِّ المال الذي قِبَلك. فقال له سعد: ما أراك إلا ستلقى شرًَّا. هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل؟! فقال: أجل واللَّه إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة. فقال هاشم: إنكما لصاحبا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينظر إليكما. فطرح سعد عودًا كان في يده وكان رجلًا فيه حدة ورفع يديه. وقال: اللَّهم رب السماوات والأرض. فقال عبد اللَّه: ويلك قل خيرًا ولا تلعن. فقال سعد عند ذلك: أما واللَّه لولا اتقاء اللَّه لدعوت عليك دعوة لا تخطئك. فولى عبد اللَّه سريعًا حتى خرج، وكان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة.
غضب عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ على سعد وعلى ابن مسعود بسبب هذه المشادة فعزل سعدًا ولم يعزل ابن مسعود، بل أقره واستعمل الوليد بن عقبة، وكان عاملًا لعمر على ربيعة بالجزيرة، فقدم الكوفة، فلم يتخذ لداره بابًا حتى خرج من الكوفة.
ولعل القارئ يعجب لماذا أقر عثمان ابن مسعود ولم يعزله؟ فنقول إن عبد اللَّه بن مسعود لما كان غلامًا كان يرعى أغنام عقبة بن أبي معيط ، وكان إسلامه قديمًا، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فهو راعٍ لعقبة بن أبي معيط ـ والد الوليد ـ أي أنه من أتباع بني أمية، وكان عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ بعثه إلى الكوفة معلمًا ووزيرًا، ثم إن ابن مسعود لم يكن واليًا حتى يعزله عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ، بل كان وزيرًا للمالية.
أما الوليد الذي خلف سعدًا فهو أموي، أخو عثمان لأمه، أسلم يوم الفتح، ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله عز وجل: {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] نزلت في الوليد بن عقبة وذلك أن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بعثه مصدقًا إلى بني المصطلق فعاد وأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعوا الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه يتلقونه فهابهم، فانصرف عنهم، فبعث إليهم رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ خالد بن الوليد فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] .
لما قدم الوليد على سعد قال له: واللَّه ما أدري أَكِسْتَ [أَكِسْتَ: يقال رجل أَوْكَس أي خسيس أو قليل الحظ. [القاموس المحيط، مادة: وَكَسَ]. بعدنا أم حمقنا بعدك؟! فقال: "لا تجز عن أبي إسحاق فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون". فقال سعد: "أراكم واللَّه ستجعلونه مُلكًا". وكان الوليد من رجال قريش ظرفًا وحلمًا وشجاعة وأدبًا، وكان من الشعراء المطبوعين.
قال الطبري: فقدم الوليد في السنة الثانية من إمارة عثمان، وقد كان سعد عمل عليها سنة وبعض أخرى فقدم الكوفة، وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم، فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب.
وحدثنا أبو فرج الأصفهاني في الجزء الخامس من الأغاني عن سبب تولية الوليد الكوفة فقال:
لم يكن يجلس مع عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ على سريره إلا العباس ابن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب والحكم بن العاص والوليد بن عقبة، فأقبل الوليد يومًا فجلس، ثم أقبل الحكم. فلما رآه عثمان زحل [زَحَل: أيّ تَنحَّى] له عن مجلسه فلما قام الحكم قال له الوليد: واللَّه يا أمير المؤمنين، لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت عمك على ابن أمك. فقال له عثمان رضي اللَّه تعالى عنه: إنه شيخ قريش، فما البيتان اللذان قلتهما؟ قال: قلت:
رأيت لعم المرء زُلْفَى قرابة *** دون أخيه حادثًا لم يكن قدمًا
فأمَّلْتُ عَمْرًا أن يَشِبّ وخالدًا *** لكي يدعواني يوم مزحمة عمّا
يعني عمرًا وخالدًا ابني عثمان. فرق له عثمان وقال له: قد وليتك العراق ـ يعني الكوفة ـ اهـ. ولا يصدق إنسان يعرف مكانة عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ أنه ولى الوليد الكوفة بعد أن أنشده هذين البيتين إرضاء له.
لم تطل ولاية سعد على الكوفة فعزله عثمان وولى بعده الوليد بن عقبة والسبب في عزل سعد هو أنه استقرض من عبد اللَّه بن مسعود من بيت المال مالًا فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر عليه فارتفع بينهما الكلام حتى استعان عبد اللَّه بأناس على استخراج المال، واستعان سعد بأناس على استنظاره فاقتربوا وبعضهم يلوم بعضًا. يلوم هؤلاء سعدًا ويلوم هؤلاء عبد اللَّه.
عن قيس بن أبي حازم قال: كنت جالسًا عند سعد وعنده ابن أخيه هاشم بن عتبة فأتى ابن مسعود سعدًا فقال له: أدِّ المال الذي قِبَلك. فقال له سعد: ما أراك إلا ستلقى شرًَّا. هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل؟! فقال: أجل واللَّه إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة. فقال هاشم: إنكما لصاحبا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينظر إليكما. فطرح سعد عودًا كان في يده وكان رجلًا فيه حدة ورفع يديه. وقال: اللَّهم رب السماوات والأرض. فقال عبد اللَّه: ويلك قل خيرًا ولا تلعن. فقال سعد عند ذلك: أما واللَّه لولا اتقاء اللَّه لدعوت عليك دعوة لا تخطئك. فولى عبد اللَّه سريعًا حتى خرج، وكان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة.
غضب عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ على سعد وعلى ابن مسعود بسبب هذه المشادة فعزل سعدًا ولم يعزل ابن مسعود، بل أقره واستعمل الوليد بن عقبة، وكان عاملًا لعمر على ربيعة بالجزيرة، فقدم الكوفة، فلم يتخذ لداره بابًا حتى خرج من الكوفة.
ولعل القارئ يعجب لماذا أقر عثمان ابن مسعود ولم يعزله؟ فنقول إن عبد اللَّه بن مسعود لما كان غلامًا كان يرعى أغنام عقبة بن أبي معيط ، وكان إسلامه قديمًا، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فهو راعٍ لعقبة بن أبي معيط ـ والد الوليد ـ أي أنه من أتباع بني أمية، وكان عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ بعثه إلى الكوفة معلمًا ووزيرًا، ثم إن ابن مسعود لم يكن واليًا حتى يعزله عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ، بل كان وزيرًا للمالية.
أما الوليد الذي خلف سعدًا فهو أموي، أخو عثمان لأمه، أسلم يوم الفتح، ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله عز وجل: {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] نزلت في الوليد بن عقبة وذلك أن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بعثه مصدقًا إلى بني المصطلق فعاد وأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعوا الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه يتلقونه فهابهم، فانصرف عنهم، فبعث إليهم رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ خالد بن الوليد فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] .
لما قدم الوليد على سعد قال له: واللَّه ما أدري أَكِسْتَ [أَكِسْتَ: يقال رجل أَوْكَس أي خسيس أو قليل الحظ. [القاموس المحيط، مادة: وَكَسَ]. بعدنا أم حمقنا بعدك؟! فقال: "لا تجز عن أبي إسحاق فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون". فقال سعد: "أراكم واللَّه ستجعلونه مُلكًا". وكان الوليد من رجال قريش ظرفًا وحلمًا وشجاعة وأدبًا، وكان من الشعراء المطبوعين.
قال الطبري: فقدم الوليد في السنة الثانية من إمارة عثمان، وقد كان سعد عمل عليها سنة وبعض أخرى فقدم الكوفة، وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم، فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب.
وحدثنا أبو فرج الأصفهاني في الجزء الخامس من الأغاني عن سبب تولية الوليد الكوفة فقال:
لم يكن يجلس مع عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ على سريره إلا العباس ابن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب والحكم بن العاص والوليد بن عقبة، فأقبل الوليد يومًا فجلس، ثم أقبل الحكم. فلما رآه عثمان زحل [زَحَل: أيّ تَنحَّى] له عن مجلسه فلما قام الحكم قال له الوليد: واللَّه يا أمير المؤمنين، لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت عمك على ابن أمك. فقال له عثمان رضي اللَّه تعالى عنه: إنه شيخ قريش، فما البيتان اللذان قلتهما؟ قال: قلت:
رأيت لعم المرء زُلْفَى قرابة *** دون أخيه حادثًا لم يكن قدمًا
فأمَّلْتُ عَمْرًا أن يَشِبّ وخالدًا *** لكي يدعواني يوم مزحمة عمّا
يعني عمرًا وخالدًا ابني عثمان. فرق له عثمان وقال له: قد وليتك العراق ـ يعني الكوفة ـ اهـ. ولا يصدق إنسان يعرف مكانة عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ أنه ولى الوليد الكوفة بعد أن أنشده هذين البيتين إرضاء له.